صديقي الذي كان يغني لي طوال الليل.......
علمونا في المدرسة أن العين آلة تصوير دقيقة تلتقط صور المرئيات وأن عيون الناس جميعا متماثلة لها شبكية وقزحية وقرنية ...وصدقنا هذا كله يومئذ إلى أن بدأنا نكتشف أشياء ليست جديدة لأننا كنا نعيشها دائما ....
إن أي من كاميرات العالم تلتقط أي مشهد بشكل واحد في لحظة واحدة ...ولكن عين كل إنسان تراه بصورة تغاير الصورة التي بها عين الآخر لأننا نرى الأشياء من خلال أنفسنا بكل ما تحمله من نزوات وأمان وطين وطيب ...بل إننا نرى الأشياء في لحظات نفسية متباينة بصور متعددة ....
لم أكن أعرف كم من الوقت انقضى وأنا في جلستي هذه ،كئيبا كمآتم ،خرسا كموجة أعماق ...لكنني فوجئت بأمي تتأملني بهدوئها المعتاد ثم تسألني ببساطة :"ما هي مشكلتك الليلة "
وأمي أعتادت أن تراني هكذا ،كئيبا كمآتم تارة تارة وسعيدا ضاجا كطبل تارة اخرى .....واعتادت أن تسأل دون أن تنتظر مني جوابا ...لكنني أجبتها بعد أن كررت سؤالها :لقد ذهب ...اختفى .....
- من هو؟....
- صديقي الذي كان يغني لي طوال الليل ..صديقي الذي يذكرني بصفاء غابات شاسعة وبأمسيات صيف دافئة في حقول نائية ....
- من تعني ؟....
- أعني صديقي ...الجندب !!
لم تدهش أمي فقد ألفت مثل هذه المواقف مني وعادت تسأل ببساطة :هل هو جندب انطوائي خاص اعتنيت بترتيبه في خزانة ثيابك ؟
-لا ..على أي حال يحب الإنسان كائنات الغابة
-هل هو جندب كنت تلتقي به بعض الليالي قرب البراد وأنت ذاهبا في طريقك لتناول كوب من الماء ؟
وعدت أجيبها في أسى حقيقي وأنا أتجاهل مداعبته :لا ...ولما لاحظت حزني الصادق بدت علامات الجد على وجهها واسترسلت أحدثها عن صديقي الجندب ..انه جاري كان يقطن هذه الشجرة التي تعانق شرفتي ..وحينما أطفئ نور غرفتي كان ينشد ويهدهدني ..يغرقني في صوته في حلم طفولتي فيه غابات ملونة الصخور
وانفجرت أمي ضاحكة وحاولت أن أجاريها في ضحكة ففشلت ....